الهدار الكرار مشرف
عدد المساهمات : 950 تاريخ التسجيل : 25/01/2012
| موضوع: توابيت دمشق الإثنين أبريل 15, 2013 7:22 pm | |
|
كلُّ مدينةٍ تشبه ساكِنيها.. فهذه دمشق مدينة مثل كلِّ النِّساء.. بجمالها وقبحها.. بعشقِها وحقدِها.. برزانتِها وعبثها امرأة بكل ما تحملهُ المرأة من تضاد! دمشق بملائكتها وشياطينها.. بطُهرِها وعُهرِها مزيجٌ لا يتجزَّأ من التناقضات.. دمشق يا وطن العشقِ والحبِ والأحقاد.. يا وطن الأديانِ والمذاهبِ والإلحاد.. ويا وطن الثلجِ والنارِ والرماد.
توابيت دمشق:
تابوت 1- ساعة الحائط تهدر دون توقف: تك.. تك.. تك.. صوتها الرديء وهدير ضجيجها في تمام كل ساعة يُشكِّلُ حالةً من الألفةِ المحببة.. الهدوء يخيم على دمشق هذه الليلة على غير العادة.. حاولت جاهداً النوم لكن لم أستطع.يبدو أنّي أدمنتُ النومَ على أزيز الرصاص وأصوات القذائف.. إذاً سأنتظر الاشتباك القادم بفارغ الصَّبر كي أقاربَ نوماً ربما سيكون الأخير. تابوت 2- قبل أن أنام لا أفرشي أسناني مما علِقَ عليها من أوساخ.. بل أفرشي ذاكرتي من بعض الأشخاص الذين قابلتهم في هذا اليوم. تابوت 3- قبل النوم لا أحصي الخراف التي تقفز فوق السُّور.. بل أحصي عدد الشهداء الذين سقطوا هذا اليوم. تابوت 4- الفوضى مهيمنة على شوارع دمشق.. رائحة الموت تنبعث من كل مكان.. أكياس القمامة مبعثرة بالشَّوارع بأعدادٍ هائلة تفوق أعداد البشر الذين صادفتهم في طريقي بعشرات المرات. لمحت من بعيد غُربَاناً تحوم فوق حاوية قمامة.. قادني الفضول للاقتراب نحوها.. في الحاوية رأيت جثث لثلاثة شبَّان مكوَّمين داخلها والرصاص قد اخترق رؤوسهم كأنَّ القمامة والبشر قد تبادلوا الأدوار في هذه الحياة. تابوت 5- جنازة لشاب في الثلاثين من العمر.. (تابوتٌ آخر قد أخطأني). تابوت 6 - جنازة يتقدمها أناسٌ لحاهُم متدلِّية حتى خصاهم يشتمون ويلعنون الأرواح.. فوق النَّعش وضِعَ علمٌ نتن كعقولهم القذرة.. أنظر للنعش باشمئزاز وأقول لنفسي : "أخيراً في بلدي رأيتُ الرجل المناسب في المكان المناسب". تابوت 7- إنه ليل دمشق.. ليل المتفجرات والخوف.. ليل السِّيارات المفخَّخة والرُّعب.. ليل الأرواح المتكسِّرة كزجاج النوافذ.. وليل القلوب المثقوبة كجدران المباني. تابوت 8- كل الطُّرقات توصِلُ إلى روما.. إلا هنا.. ففي دمشق كلُّ الطُّرقات توصِلُ إلى الجَّحيم. تابوت 9- صديقٌ لي لم يتأثَّر بيُتمِهِ الرُّباعي الدَّفع (الأب- الأم- الزَّوجة- الولد) الذي أصابه بسبب إحدى السيَّارات المفخَّخة السِّلميَّة.. فأكمل حياته بشكلٍ طبيعي برصاصةٍ في الرأس. تابوت 10- تك.. تك.. تك.. السَّاعة تجاوزت الزُّجاجة الثَّانية بعد منتصف الخراب.. أدخلُ الزُّجاجة الثالثة من الوقت مُردِّداً: إني أرى رؤوساً قد أينَعت وحان قِطافها! فيُجاوبُني أبو النَّواسِ مُنشِداً:اشرب فديتكَ علانية/ أمُّ التَّستُّرِ زانية.. اشرب فديتُكَ واسقِني/ حتَّى أنامَ مكانيَّة.. لا تقنعنَّ بسكرةٍ حتَّى تعودَ بثانية. تابوت 11- كل شيءٍ يهذي الآن.. الوقت يمضي مُتَثاقِلاً كمومسٍ بلغت سن الضَّجر.. زجاجات الوقت قد فرغت.. السَّاعة تجاوزت الزَّمن.. عقارب السَّاعة سقطت من كثرةِ الدَّوران.. كل الأشياء حولي تَئنُّ كضجيج الصَّمت.. حتَّى الصَّمت أصيبَ بالهذيان. أمضي إلى فراشي مُتعباً لا أقوى على مضاجعةِ حُلُمٍ قد أنهِكَ أيضاً من كثرةِ ما اغتصبوه وزنوا بهِ باسم الله والوطن! تابوت 12- في المشفى أجلسُ بانتظار أشلاءٍ لرجلٍ كان صديقي قبل أن يتحوَّل وجوده إلى رُكام ذكريات. تابوت 13- سأترُكُ هذا التابوت مفتوحاً.. فربما قد أحتاجه قريباً | |
|