الهدار الكرار مشرف
عدد المساهمات : 950 تاريخ التسجيل : 25/01/2012
| موضوع: أربع خسائر سعودية من الاحتواء الروسي للضربة الأميركية السبت سبتمبر 14, 2013 10:25 pm | |
|
أربع خسائر سعودية من الاحتواء الروسي للضربة الأميركية تكاد تكون السعودية الطرف الأكثر تضرراً من الصيغة الروسية التي احتوت محاولة الولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية لسوريا على الأقل في المدى المنظور. ويكاد يكون شاقا تنظيم جردة بخسائر قيادة المملكة جراء التراجع الأميركي عن قرار الحرب ولو مؤقتاً. والمعروف أن "إسرائيل" والسعودية هما الطرفان الأكثر تحريضا على الحرب ضد دمشق: الأولى استخدمت العصا ومارست ما تستطيع من ضغوط لدفع واشنطن نحو العدوان على سوريا، والثانية مارست سياسة الجزرة عبر إغراء القيادة الأميركية بتمويل كلفة الحرب ودفع أجرتها أيضا للولايات المتحدة، وهو ما ذكرته أكثر من وسيلة إعلامية تحدثت عن مداولات سرية أجراها الرئيس الأميركي باراك اوباما مع قيادات الكونغرس لحثه على تأييد الحرب وابلغهم خلالها أن الحرب لن ترتب أي عبء على الخزينة الأميركية المنهكة لأن عدداً من الدول الخليجية وفي مقدمها السعودية وقطر أخذت على عاتقها عملية التمويل وتحمل الأعباء المالية. وأعلن اوباما في أحاديث متكررة مع أركان إدارته أن الحرب المندلعة منذ عامين ونصف في سوريا وما تطلبه من تجنيد مرتزقة وإقامة معسكرات وغرف عمليات وتسليح هي من تمويل هذه الدول، بل منحت الدول الخليجية شبكات أمان اقتصادية لعدد من الدول المشاركة في الحرب لتبقى ضمن الائتلاف المعادي لسوريا. وعليه يمكن رصد أربع نقاط أساسية حصدت فيها الرياض خسائر صافية وباهظة. الخسارة الأولى تتعلق بطريقة التعامل المهينة التي تمارسها واشنطن مع حلفائها في المنطقة ومنهم الرياض، حيث كانت آخر من يعلم بما جرى من اقتراحات ومداولات تبين لاحقا أنها أخذت وقتا لابأس به من النقاش. ففي حين كانت الإدارة الأميركية تستدرج حلفاءها إلى مواقف تصعيدية كانت هي تفاوض من تحت الطاولة ودون أن يكون لهم أدنى خبر بما يجري، مع العلم أن السعودية تقدم نفسها أنها هي الطرف الإقليمي الحليف للولايات المتحدة الممسكة بالملف السوري وهي ستمول الحرب ومع ذلك كانت خارج الصورة تماماً، وهذا ما يؤكده التزامها الصمت المطبق منذ الإعلان الرسمي عن المبادرة الروسية حيث لم تبادر حتى الآن إلى أي تعليق عليها. والأكثر إزعاجا للرياض هو أن الفريق الآخر كان على علم بكل ما يجري، وبالأخص خصمها اللدود إيران التي ذكرت مصادر عدة أنها هي من صاغ الاقتراح وعرضه على الروس الذين تلقفوه ورموه على الطاولة. وما يعزز هذا المعطى تزامن زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى موسكو مع زيارة نائب وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان إليها وحصول لقاءات بين الجانبين الإيراني والسوري والإيراني والروسي في أثناء الإعلان عن الاقتراح. وهذا الأمر بقدر ما يعزز الثقة بين أضلاع المحور المقابل لمحور واشنطن فان ثقة حلفاء واشنطن بها على الأقل تضعضعت بعد هذه الواقعة. الخسارة الثانية تتعلق بتغذية القلق السعودي المستمر من تسوية أميركيةـ إيرانية على حسابها يمكن أن تحصل في أي وقت، وهو قلق لم يغادر أذهان المسؤولين السعوديين في مختلف المحطات التي كان يحصل فيها تصعيد. وفي هذه الحالة فان منسوب القلق ارتفع كثيراً لا سيما بعد زيارة سلطان عمان قابوس بن سعيد إلى إيران وفتح قناة اتصال غير مباشرة بين واشنطن وطهران تولاها مسؤولون عُمانيون وحاولت إطلاق نمط جديد من النقاش والمداولات بين الجانبين. بمعزل عن نتائج القناة العُمانية فان ما حمله مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان في زيارته الأخيرة إلى طهران من عروض أميركية قضت مضاجع المسؤولون السعوديين. إذ إن السفير الأميركي السابق فيلتمان وبحسب مصادر مطلعة عرض على الإيرانيين أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن إيران وان يجري حل الأزمة في البحرين بما يرضي الجمهورية الإسلامية مقابل تغيير موقفها من الأزمة السورية. لكن طهران رفضت بشدة العرض الأميركي الذي يظهر إلى أي مدى تبدي واشنطن استعدادها للتفريط بمصالح حلفائها متى تطلبت مصالحها ذلك. والمعروف أن السعودية دفعت بقواتها إلى البحرين من اجل فرض أمر واقع تحاول أن تفرض فيه شروطها في أي تسوية محتملة، وهي تعرف أن القرار فيما يتعلق بالأزمة البحرينية على مستوى قيادة المنامة هو أولا وأخيرا عند الأميركيين الذي يتخذون من هذه الجزيرة الصغيرة مقرا لأسطولهم البحري الخامس. وعليه بدل أن ترسل واشنطن إشارة طمأنة إلى الرياض في هذه اللحظة الحرجة فإنها أرسلت إشارة بالغة الخطورة لها. ما الخسارة الثالثة فتتعلق بما أصاب قيادة السعودية للملف السوري من إخفاقات ميدانية حتى الآن. فمدير الاستخبارات بندر بن سلطان ومنذ توليه شخصياً الملف وجولاته لا تتوقف على عواصم الغرب المؤيدة للمسلحين أو زيارته الاغوائية إلى موسكو لتغيير موقفها من القيادة السورية مقابل صفقات تسلح وغاز وغيرها، كلها باءت بالفشل، وتبعتها محاولته تحقيق "انجاز" على الأرض من خلال سيطرة المسلحين على بعض قرى اللاذقية سرعان ما تمكن الجيش السوري من استعادتها وتكبيد المسلحين خسائر فادحة. لذلك كان بندر يراهن على ضربة عسكرية أميركية تمكن المسلحين من تحقيق تقدم على الأرض بما يمكنه من الادعاء أن إدارته للملف ساهمت في إقناع واشنطن بالحرب ومن ثم تغيير موازين القوى على الأرض لصالح مسلحيه، وهو أمر يحتاجه بشدة بعدما تفردت الرياض بهذا الملف وتم تهميش قطر وتركيا. وهنا كانت الخيبة كبيرة جداً. فبندر بن سلطان الذي كان أول من اعلمه جورج بوش الابن بتوقيت غزو العراق عام 2003 كان آخر من يعلم باستعداد واشنطن للموافقة على المبادرة الروسية، كما أن طموحه بان تثمر إدارته للملف السوري انجازات ميدانية تترجم في ساحة التفاوض السياسي في جنيف 2 وغيرها مكاسب له يسيلها في معركة خلافة الملك عبد الله التي تجري خلف الأضواء منذ فترة، كل ذلك أذهبه باراك اوباما إدراج الرياح. وهنا تتم استعادة مقولة راجت بعد تولي بندر شخصياً الملف السوري ومفادها أن الهدف من حصرية هذا الأمر بهذا الأمير هو التمهيد لإحراقه سياسيا بعد فشله وتكرار تجربة الأميرين "الحمدين" في قطر. وهذا يتقاطع مع ما ذكرته صحيفة "الأخبار" اللبنانية مؤخرا من أن السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري نصح وزير الشؤون الاجتماعية اللبنانية وائل أبو فاعور خلال زيارته الأخيرة للمملكة ممثلا النائب وليد جنبلاط بلقاء نائب وزير الخارجية عبد العزيز بن عبد الله في إشارة إلى أن هناك رأيا آخر في المملكة غير الذي يعتنقه ويمارسه بندر. تبقى الخسارة الرابعة التي تم إحصاؤها وتتعلق بالموقف المصري من ضرب سوريا والذي مثل تقاطعا بين الجيش ووزارة الخارجية والقوى الشعبية التي أطلقت حراك الثلاثين من يونيو والتي تمثل الحاضنة الشعبية للمؤسسة العسكرية، وهذه كلها أجمعت على رفض الضربة وإدانتها، لا بل ذهب الجيش ابعد من ذلك كما ذكرت صحيفة "النهار" المصرية متحدثة عن أن عبد الفتاح السيسي القائد العام للجيش المصري رفض مرور أي سفينة حربية أميركية وأي بارجة حربية ناقلة للسلاح من قناة السويس لضرب سوريا، وانه أكد التزام القاهرة باتفاقية الدفاع المشترك مع دمشق قائلا إن مصر لن تكرر أخطاء الحرب على العراق ولن تكون ممراً لضرب أي دولة عربية. وبمعزل عن هذا فان ما أُعلن على المستوى الرسمي من رفض للضربة نزل ثقيلاً على رؤوس المسؤولين السعوديين الذين قدموا أنفسهم على أنهم رعاة عملية الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين ومولوا الإدارة الجديدة بثمانية مليارات دولار، بدت كأنها ذهبت أدارج الرياح في أول استحقاق كانت تعول عليه الرياض وتنتظر موقفا من القاهرة لتحقيق شيء ما في سوريا. هكذا بدت السعودية الطرف الأكثر تضرراً من التراجع الأميركي عن الضربة ـ أو تأجيلهاـ وباتت في وضع لا تحسد عليه من حيث تضرر صورتها وقدرتها على إدارة ملف خطير كالملف السوري وإمكانياتها في تحقيق نتائج، لكن الأكثر أهمية من كل هذا هو أنها في حسابات واشنطن لا تتعدى كونها جيبا ماليا يغرف منه عند الحاجة لتمويل الحروب ولا يقام لمصالحها أي وزن. | |
|