[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الروايات
والتكهنات حول توقيت «ساعة صفر» انطلاق العملية العسكرية الواسعة للقوات
السورية خصوصا في ريف حمص، البعض ربطها بموعد انعقاد مؤتمر «اصدقاء
سوريا» في اسطنبول، وقال ان دمشق ومن معها من حلفاء ارادوا توجيه رسالة
بالغة الدلالة الى المجتمعين بان زمام المبادرة ما يزال بين ايديهم، واخرين
ربطوها بالزيارة المفترضة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى
ايران،مع العلم ان مثل هكذا قرارات لا تحتاج الى لقاءات «قمة»من هذا النوع
وتحمل هذا المستوى من المخاطر الامنية، اما البعض الاخر فربط توقيت العملية
العسكرية بلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الاميركي باراك
اوباما في حزيران المقبل،وقال اصحاب هذه النظرية ان موسكو طلبت السلطات
السورية بتحقيق انجاز عسكري مهم على الارض لتفاوض به الاميركيين.
كل
هذه الروايات وغيرها تحتمل الصواب والخطأ ولا يمكن الركون الى صحتها من
عدمه، لكن ما هو ثابت في هذا النقاش الدائر ان ثمة متغيرات سياسية
وديبلوماسية وعسكرية ،سمحت للقيادة السورية في اطلاق عملية الحسم العسكري
القائمة حاليا،واذا كان حديث الرئيس السوري بشار الأسد الى الاخبارية
السورية بمثابة إعلان «ساعة الصفر»، لأنطلاق واحدة من أوسع عمليات الجيش
السوري في كل من حمص وإدلب،فان هذا الامر براي اوساط مطلعة، لم يكن ليتم
دون انتهاء الاستعدادت العسكرية والامنية لهذه العملية المعقدة التي انتهى
التخطيط لها قبل وقت قصير في غرفة عمليات«مشتركة» ضمت العديد من القيادات
العسكرية الرفيعة المستوى، سورية وغير سورية، وتم هذا الامر بعيدا عن اعين «الجواسيس»
المحتملين وضمن دائرة ضيقة نجحت في اقفال الابواب امام حصول اي تسريبات
مسبقة عن طبيعة العملية اوعن الحيز الجغرافي الذي ستشمله.
ووفقا
للمعطيات المتوفرة فانه قبيل انطلاق معارك القصير قام الجيش السوري بعملية
تمويه خادعة من خلال إعادة انتشار غريبة ومتداخلة لقواته، فجرت انسحابات
من أماكن وانتشار في أماكن بدت غير استراتيجية، لكنها كانت أساسية
لعملياته، ومنها سحب قوات من الجولان لتعزيز قواته في درعا، كما اوحت
التحركات العسكرية بان ما تقوم به القوات السورية ليس الا عملية دفاعية
الهدف منها اعادة انتشار القوات لحماية «اسوار» دمشق،فيما كانت التحضيرات
على قدم وساق على جبهة حمص بانتظار ساعة الصفر.
اما
السؤال عن اسباب انهيار نحو 20 قرية بهذه السرعة القياسية في ريف القصير،
رغم الأعداد الكبيرة لمسلحي المعارضة ، ورغم الأسلحة النوعية التي تمتلكها
بدءاً بالأسلحة الخفيفة وانتهاء بمضادات الطيران والدروع والصواريخ
الحرارية، فالجواب غير مرتبط فقط بعامل المفاجئة وانما بما ما يعرف ب «معركة
الانفاق»التي نجحت القوات السورية بحسمها مبكرا،من خلال حصول وحدات الجيش
على مواقع تلك الأنفاق، إما بمسح جوي أو من خلال مُخبرين انخرطوا في صفوف
المقاتلين الاسلاميين في المنطقة، ومع انطلاق العملية العسكرية شنت وحدات
الجيش هجوماً منسقاً على تلك الأنفاق التي حفرها مسلحو المعارضة وشكلت
مركزاً لعملياتهم اللوجستية ومقراً لقياداتهم وذخائرهم وأسلحتهم، وقد ادى
تدمير الأنفاق الى أضعاف القدرة الميدانية لمقاتلي المعارضة وقلل من
إمكانية احتمائهم ومناوراتهم القتالية، ما اجبرهم على خوض معركة خاسرة في «ارض مفتوحة» ومكشوفة.
وتلفت
تلك الاوساط الى ان العملية العسكرية لن تقف عند هذا الحد، وفي الايام
القليلة الماضية انقسم الجهد الحربي الى قسمين الاول يقوم بعملية تحصين
واسعة للمناطق التي تمت السيطرة عليها، اما الجهد الثاني فيتركز على
استكمال عملية السيطرة على مدينة القصير، وأحياء مدينة حمص وضواحيها،
لاسيما في الخالدية وباب هود وحمص القديمة،لتحقيق الهدف النهائي باستعادة
كامل محافظة حمص، ريفاً ومدينة، لقطع وأحد من أبرز طرق الإمداد البشري
والتسليحي للمعارضة القادم من شمال لبنان، وأيضاً قطع الإمداد عن ريف حماه
والتقليل من خطوط إمداد أجزاء من ريف إدلب الجنوبي،كما تجري التحضيرات لحسم
معركة ريفي دمشق وادلب قريبا،خصوصا معرة النعمان والقرى المؤدية الى وادي
الضيف بالتزامن مع عملية واسعة ستشمل حلب المدينة وريفها.
واذا
كان ما تقدم يختصر البعد العسكري لهذه التحولات الميدانية، فأن المثل
اللبناني القائل «خذوا اسرارهم من صغارهم» يختصر المشهد السياسي
والديبلوماسي للمأزق الذي ترزح تحته القوى المناهضة لدمشق، والكلام هنا عن
بيان الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري الرافض لدعوة القوى السلفية للجهاد
في سوريا، واذا كان كلام الحريري مبررا في انتقاده اداء حزب الله ودعمه
للنظام السوري فان رفضه لهذه الفتاوى لم يكن ابدا بدافع الحرص على لبنان
وعدم توريط البلاد في اتون الحرب السورية، «فخيره» سابق في هذا المجال،
والقائد «العسكري» لتيار المستقبل النائب عقاب صقر لا يزال يقوم بدوره على
اكمل وجه،لكن الجديد هو موقف المملكة العربية السعودية التي لا تبدو منزعجة
من عملية «التطهير» القائمة راهنا لتصفية عناصر «جبهة النصرة» والقاعدة في
سوريا، وهي وان عملت جاهدة في الاسابيع الماضية للتأكيد على عدم تغيير
موقفها من النظام السوري، الا انها ابلغت من يعنيهم الامر خصوصا الطرف
الاميركي بأنها لن تسكت ولن ترضى ان «تخطف» القاعدة «الثورة» السورية،
وشككت الرياض في اهداف كل من قطر وتركيا متسائلة عن الاسباب التي تدفع
هاتين الدولتين الى تقديم الدعم «لجبهة النصرة»فيما يتم حجبها عن «الجيش
الحر»لاضعافه،ووصلت الشكوك السعودية الى حد اتهام «الحلفاء» بمحاولة تقوية
التيار الاسلامي المتشدد لاستخدامه لاحقا ضدها بعد ان تكون استنفذت الحاجة
منه في سوريا.
هذه
المخاوف السعودية من «خناجر الاصدقاء»،تفسر اجواء الاسترخاء التي حلت على
الساحة اللبنانية،المرتبطة بمحاولة سعودية واضحة لابتزاز حلفاءها من خلال
الايحاء بانها مستعدة للذهاب الى تفاهمات مع الطرف الاخر اذا ما استمر
تهميش دورها ومصالحها على هامش الازمة السورية،ولذلك تدعو تلك الاوساط الى
عدم المبالغة في التفاؤل وتفضل الابقاء على اجواء الحذر في ظل التعقيدات
الكثيرة والتراكمات الضخمة التي تثقل كاهل العلاقة السورية السعودية ولا
تسمح بانفراجات واسعة في العلاقة مع ايران، وانما لا ضير في انفراجات
محدودة تخدم مصلحة الطرفين بانتظار ان تتبلور الصورة التي تحاول الولايات
المتحدة بلورتها مع الحلفاء الذين يحجون الى البيت الابيض في هذه الفترة.
واذا
كان رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان يزور واشنطن وهو مثقل باتهامات
تحمله مسؤولية دعم الاسلامين السوريين على حساب العلمانيين، فان المعلومات
المسربة تشير الى ان الرئيس الاميركي باراك اوباما يعمل على اعادة جمع
المجموعة – على قلب رجل واحد-، واعادة بناء معسكر موحد ضد النظام السوري،
واولى الخطوات العملية كانت الضغط على امير قطر لوقف تدفق الاسلحة الى
«جبهة النصرة»والكتائب الاسلامية على الارض، وهو ابلغه ان هذا الامر على
درجة كبيرة من الاهمية بالنسبة لواشنطن،كما وضعه في اجواء لقاءه مع وزير
الخارجية السعودي سعود الفيصل، وابلغه الخشية من خسارة دعم السعودية للحرب
في سوريا اذا ما استمر الوضع على حاله.
هذا
الارباك في معسكر خصوم سوريا تحاول دمشق وحلفاؤها استغلاله لتحقيق تقدم
ميداني يغير موازين القوى ويفرض اجندة سياسية جديدة، الجميع في سباق مع
الوقت،الازمة دخلت مرحلة جديدة مفتوحة على كافة الاحتمالات، والامرمنوط بما
تريده الادارة الاميركية، فاما تأخذ «وكلاءها»في المنطقة مكبلين الى طاولة
التفاوض، واما تخوض معهم مغامرة جديدة بقواعد مختلفة عن السابق، وهذا يعني
المزيد من التصعيد الذي لن تبقى حدوده الاراضي السورية،واذا كانت
الارهاصات الاولى قد بدات في العراق، فان الاردن ولبنان لن يكونا بمنأى عن «الانفجار الكبير».